فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال العلامة نظام الدين النيسابوري:
التأويل: الوراثة الدينية أيضًا سبب ونسب. فالسبب هو الإرادة بلبس خرقة المشايخ والتشبه بهم، والنسب هو الصحبة معهم بالتسليم لتصرفات ولا يتهم ظاهرًا وباطنًا مستسلمًا لأحكام التسليل والتربية ليتولد السالك بالنشأة الثانية من صلب ولايتهم. ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد».
وإنما يتوارث أهل الدين على قدر تعلقاتهم السببية والنسبية والذكورة والأنوثة في الجدّ والاجتهاد وحسن الاستعداد وبتوارثهم العلوم الدينية واللدنية كقوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» وقول موسى للخضر {هل أتبعك على أن تعلمن ما علمت رشدًا} [الكهف: 66] {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} هي النفوس الأمارات بالسوء {فاستشهدوا عليهم أربعة منكم} أي من خواص العناصر الأربعة التي أنتم منها مركبون وهي التراب ومن خواصه الخسة والذلة، والماء ومن خواصه اللين والأنوثة والشرة، والهواء ومن خواصه الحرص والحسد والبخل والشهوة، والنار ومن خواصها الكبر والغضب وحب الرياسة {فإن شهدوا} بأن يظهر بعض هذه الصفات من النفوس {فأمسكوهن في البيوت} في سجن الدينا وأغلقوا عليهم أبواب الحواس الخمس حتى تموت النفس بالانقطاع عن حظوظها دون حقوقها {أو يجعل الله لهن سبيلًا} بانفتاح روزنة القلوب إلى عالم الغيب {واللذان يأتيانها} أي النفس والقالب يأتيان من الفواحش ظاهرًا في الأعمال وباطنًا في الأحوال والأخلاق {فأذوهما} ظاهرًا بالحدود وباطنًا بالرياضات وترك الحظوظ {فأعرضوا عنهما} باللطف بعد العنف، وباليسر بعد العسر {بجهالة} أي بصفة الجهولية وهي داخلة في الظلومية لأن لاظلومية تقتضي المعصية والإصرار عليها، والجهولية تقتضي المعصية فحسب. فالعمل السوء إذا كان مصدره الجهولية فحسب يكون على عقيبة التوبة كما قال: {ثم يتوبون من قريب} أي عقيب المعصية. قال عليه السلام: «أتبع السيئة السنة تمحها» والحسنة التوبة. ويحتمل أن يقال: من قريب أي قبل أن يموت القلب بالإصرار فإن الله لا يقبل التوبة من قلب ميت لأنها تكون اضطرارية باللسان لا اختيارية بالجنان {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} فيه إشارة إلى النهي عن التصرف في السفليات التي هي الأمهات المتصرفة فيها آباؤكم العلوية {إلا ما قد سلف} من التدبير الإلهي في ازدواج الأرواح لضرورة اكتساب الكمالات، فإن الركون إلى العالم السفلي يوجب مقت الحق والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (23):

قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ابتدأ بتعظيم الآباء واحترامهم في أن ينكح الأبناء أزواجهم على العموم ثنى بخصوص الأم بقوله: {حرمت عليكم} ولما كان أعظم مقصود من النساء النكاح، فكان إضافة التحريم إلى أعيانهن إفادة التأكيد غير قادح في فهمه، وكان مع ذلك قد تقدم ما يدل على أن المراد النكاح؛ أسند التحريم إلى الذات تأكيدًا للتحريم فقال: {أمهاتكم} أي التمتع بهن بنكاح أو ملك يمين، فكان تحريمها مذكورًا مرتين تأكيدًا له وتغليظًا لأمره في نفسه واحترامًا للأب وتعظيمًا لقدره {وبناتكم} أي وإن سفلن لما في ذلك من ضرار أمهاتهن، وهذان الصنفان لم يحللن في دين من الأديان {وأخواتكم} أي أشقاء أو لا {وعمّاتكم} كذلك {وخالاتكم} أيضًا، والضابط لهما أن كل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك، وقد تكون من جهة الأم وهي أخت أبي أمك؛ وكل أنثى رجع نسبك إليها بالولادة فأختها خالتك، وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك {وبنات الأخ} شقيقًا كان أو لا {وبنات الأخت} أي كذلك، وفروعهن وإن سفلن.
ولما انقضى أمر النسب وهو سبعة أصناف أتبعه أمر السبب وهو ثمانية: أوله أزواج الآباء، أفردها وقدمها تعظيمًا لحرمتها، لما كانوا استهانوا من ذلك، وآخره المحصنات، وبدأ من هذا القسم بالأم من الرضاع كما بدأ النسب بالأم فقال: {وأمهاتكم اللاَّتي أرضعنكم} تنزيلًا له منزلة النسب، ولذلك سماها أمًّا، فكل أنثى انتسب باللبن إليها فهي أمك، وهي من أرضعتك، أو أرضعت امرأة أرضعتك، أو رجلًا أرضعك بلبانه من زوجته أو أم ولده، وكل امرأة ولدت امرأة أرضعتك أو رجلًا أرضعك فهي أمك من الرضاعة والمراضعة أختك، وزوج المرضعة الذي أرضعت هي بلبانه أبوك وأبواه جداك، وأخته عمتك، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده إخوة الأب، وأم المرضعة جدتك، وأختها خالتك، وكل من ولد لها من هذا الزوج إخوة لأب وأم، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأم، فعلى ذلك ينزل قوله: {وأخواتكم من الرضاعة} كما في النسب بشرط أن يكون خمس رضعات وفي الحولين، وبتسمية المرضعة أمًّا والمشاركة في الرضاع أختًا عُلِم أن الرضاع كالنسب.
كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»فالصورتان منبهتان على بقية السبع؛ الأم منبهة على البنت بجامع الولادة، والأخوات على العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت بجامع الأخوة.
ولما انقضى ما هو كلحمة النسب أتبعه أمر بالمصاهرة فقال: {وأمهات نسائكم} أي دخلتم بهن أو لا- لما في ذلك من إفساد ذات البين غالبًا {وربائبكم} وذكر سبب الحرمة فقال: {اللاَّتي في حجوركم} أي بالفعل أو بالقوة- لما فيهن من شبه الأولاد {من نسائكم} ولما كانت الإضافة تسوغ في اللغة بأدنى ملابسة بين سبحانه أنه لابد من الجماع الذي كنى عنه بالدخول لأنه ممكن لحكم الأزواج الذي يصير به أولادها كأولاده فقال: {اللاَّتي دخلتم بهن} قيد بالدخول لأن غيرة الأم من ابنتها دون غيرة البنت من أمها.
ولما أشعر هذا القيد بحل بنت من عقد عليها ولم يدخل بها أفصح به تنبيهًا على عظيم حرمة الإرضاع فقال: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن} أي الأمهات {فلا جناح عليكم} أي في نكاحهن؛ ولما افتتح المحرمات على التأبيد بزوجة الأب ختمها بزوجة الولد فقال: {وحلائل أبنائكم} أي زوجة كانت أو موطوءة بملك يمين؛ ولما لم يكن المتبنى مرادًا قيد بقوله: {الذين من أصلابكم} أي وإن سفلوا، ودخل ما بالرضاع لأنه كلحمة النسب فلم يخرجه القيد.
ولما انقضى التحريم المؤبد أتبعه الموقت فقال: {وأن} أي وحرم عليكم أن {تجمعوا} بعقد نكاح لأن مقصوده الوطء، أو بوطء في ملك يمين {بين الأختين} فإن كانت إحداهما منكوحة والأخرى مملوكة حلت المنكوحة وحرمت المملوكة ما دام الحل، لأن النكاح أقوى، فإذا زال الحل حلت الأخرة ولو في عدة التي كانت حلالًا.
ولما كان الجمع بين الأختين شرعًا قديمًا قال: {إلا ما قد سلف} أي فإنه لا إثم عليكم فيه رحمة من الله لكم، ثم علل رفع حرجه فقال: {إن الله} أي المحيط بصفات الكمال {كان غفورًا} أي ساترًا لما يريد من أعيان الزلل وآثاره {رحيمًا} أي معاملًا بغاية الإكرام الذي ترضاه الإلهية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى نص على تحريم أربعة عشر صنفا من النسوان: سبعة منهن من جهة النسب، وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
وسبعة أخرى لا من جهة النسب: الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء وبنات النساء بشرط أن يكون قد دخل بالنساء، وأزواج الابناء والآباء، إلا أن أزواج الأبناء مذكورة ههنا، وأزواج الآباء مذكورة في الآية المتقدمة، والجمع بين الأختين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الآية.
أي نكاح أُمهاتكم ونكاح بناتكم؛ فذكر الله تعالى في هذه الآية ما يحِل من النساء وما يحرم، كما ذكر تحريم حَليلة الأب، فحرّم الله سَبْعًا من النسب وسِتًّا من رضَاع وصِهْر، وألحقت السنةُ المتواترة سابعة؛ وذلك الجمع بين المرأة وعمتها، ونص عليه الإجماع.
وثبتت الرواية عن ابن عباس قال: حرّم من النسب سبع ومن الصهر سبع، وتلا هذه الآية.
وقال عمرو بن سالم مولى الأنصار مثل ذلك، وقال: السابعة قوله تعالى: {والمحصنات}.
فالسبع المحرّمات من النسب: الأُمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات، وبنات الأخ وبنات الأُخت.
والسبع المحرّمات بالصهر والرّضاع: الأُمهات من الرضاعة والأخوات من الرّضاعة، وأُمهات النساء والربائِب وحَلائل الأبناء والجمع بين الأُختين، والسابعة {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}.
قال الطحاوي: وكل هذا من المحكم المتفق عليه، وغير جائز نكاح واحدة منهنّ بإجماعٍ إلاَّ أُمهات النساء اللواتي لم يدخل بهنّ أزواجهنّ؛ فإن جمهور السلف ذهبوا إلى أن الأُم تحرم بالعقد على الابنة، ولا تحرم الابنة إلاَّ بالدخول بالأُمِّ؛ وبهذا قول جميع أئمة الفتوى بالأمصار.
وقالت طائفة من السلف: الأُم والربيبة سواء، لا تحرم منهما واحدة إلاَّ بالدخول بالأُخرى.
قالوا: ومعنى قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} أي اللاتي دخلتم بهنّ.
{وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَائِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}.
وزعموا أن شرط الدخول راجع إلى الأُمهات والربائب جميعًا؛ رواه خِلاَسٌ عن عليّ بن أبي طالب.
وروي عن ابن عباسٍ وجابرٍ وزيد بن ثابت، وهو قول ابن الزبير ومجاهد.
قال مجاهد: الدّخول مراد في النازلتين؛ وقول الجمهور مخالف لهذا وعليه الحكم والفتيا، وقد شدّد أهل العراق فيه حتى قالوا: لو وطئها بزنًى أو قبّلها أو لمسها بشهوة حرمت عليه ابنتها.
وعندنا وعند الشافعيّ إنما تحرم بالنكاحِ الصحيح؛ والحرام لا يحرّم الحلال على ما يأتي.
وحديث خِلاسٍ عن عليّ لا تقوم به حجة، ولا تصح روايته عند أهل العلم بالحديث، والصحيح عنه مثل قولِ الجماعةِ.
قال ابن جريج: قلت لعطاء الرجل ينكِح المرأة ثم لا يراها ولا يجامعها حتى يطلقها أوَ تحِلّ له أُمها؟ قال: لا، هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل.
فقلت له: أكان ابن عباس يقرأ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}؟ قال: لا لا.
وروى سعيد عن قتادة عن عِكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} قال: هي مبهمة لا تحِل بالعقد على الابنة؛ وكذلك روى مالك في موطئِه عن زيد بن ثابت، وفيه: فقال زيد لا، الأُم مبهمة (ليس فيها شرط) وإنما الشرط في الربائب.